موطني قدمِه لرآنا.-فيتبسمُ عليه الصلاةُ والسلام، يتبسمُ الزعيمُ العالميُ، والقائدُ الرباني، الواثقُ بنصرِ اللهِ ويقول: ( يا أبا بكر، ما ظنُك باثنين اللهُ ثالثُهما؟ ويقول: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ).
- وهي دستورُ للحياة، إذا جعت وظمئت فقل: ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ).
- إذا مات أبناؤكَ وبناتُكَ فقل: ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ).
- وإذا أرصدت في طريقِك الكوارثَ والمشكلات ِفقال: ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ).
- فكان عليه الصلاةُ والسلامُ من أصبرِ الناس، ويخرجُ من الغار، والكفارُ لا يدرونَ أنه كانَ في الغار، فينسلُ إلى المدينةِ وليتَهم تركوه، بل يعلنونَ عن جائزةٍ عالميةٍ لمن وجدَه، جائزةَ العارِ والدمارِ وقلةِ الحياءِ والمروءة، مئةُ ناقةٍ حمراء لمن جاء به حيا أو ميتا، فيلاحقُوه سراقةُ أبن مالكٍ بالرمحِ والسيف، فيراهُ صلى اللهُ عليه وسلم وهو يمشي على الصحراءِ جائعا ظمئنا قد فارقَ زوجتَه فارق بناتِه، فارق بيتَه، فارق جيرانَه وأعمامَه وعمومتَه، ليس له حرسُ ولا جنود، لا رعايةُ ولا موكب، وسراقةُ يلحقوه بالسيف.
- فيقولُ أبو بكرٍ: يا رسولَ الله والله لقد اقتربَ منا.
- فيتبسمُ عليه الصلاة والسلام مرةً ثانيةً لأنَه يعلم عليه الصلاةُ والسلامُ أن رسالتَه سوف تبقى ويموتُ الكفار، وسوف تبقى دعوتُه حيةً ويموتُ المجرمون، وسوف تنتصرُ مبادئُه وتنهزمُ الجاهليةُ. فيقول: يا أبا بكرٍ ما ظنكَ باثنين اللهُ ثالثَهما.
- ويقتربُ سراقةُ ويدعُ عليه المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم فتسيخُ أقدامُ فرسِه ويسقط، فيقومُ ويركب ويقترب فيدعُ عليه المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم فيسقط، ثم يقولُ:
يا رسولَ الله أعطني الأمان، الآن هو يطلبُ الأمان وأن يحقنَ المصطفى دمَه، وهو بسيفٍ والمصطفى بلا سيف، فرَ من الموتِ وفي الموتِ وقع. فيعطيهِ المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم أمانَه.
يا حافظَ الآمالِ iiأنت حفظتني iiونصرتني
وعدى الظلومُ iiعلي كي يجتاحني فنصرتَني
فأنقادَ لي iiمتخشعا لما رآك iiمنعتني
* يصلُ صلى اللهُ عليه وسلم إلى المدينة، ويشاركُ في معركةِ بدر، فيجوعُ حتى يجعلَ الحجرَ على بطنِه.
- يا أهل الموائدَ الشهية، يا أهل التخمِ والمرطبات، والمشهياتِ والملابس، رسولُ الإنسانيةَ، وأستاذُ البشرية يجوع حتى ما يجدُ دقل التمرِ وحشف التمر: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
- تموتُ بناتُه الثلاث هذه تلو الأخرى، تمتُ الأولى فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعودُ من المقبرَةِ وهو يتبسم: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
- وبعد أيامٍ تموتُ الثانية فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعودُ من المقبرَةِ وهو يتبسم: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
- تموتُ الثالثةَ فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعودُ من المقبرَةِ وهو يتبسم: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
- يموتُ أبنُه إبراهيم، فيغسلُه ويكفنُه ويدفنُه ويعودُ من المقبرةِ وهو يتبسم: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
- عجبا من قلبِك الفذ الكبير. لأن اللهَ جل جلاله يقول لَه: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
* يشاركُ في معركةِ أحد، فيهزَمُ أصحابُه، ويقتلُ من قرابتِه ومن سادةِ أصحابِه، ومن خيارِ مقربيه سبعونَ رجلا أولُهم حمزة رضي اللهُ عنه، عمُه سيفُه الذي بيمينِه، أسدُ اللهِ في أرضِه، سيدُ الشهداءِ في الجنة، ثم يقفُ صلى اللهُ عليه وسلم على القتلى، وينظرُ إلى حمزةَ وهو مقتولُ مقطعُ، وينظرُ إلى سعدَ أبنُ الربيعِ وهو ممزق، وأنسُ ابنُ النظر وغيرهم من أولئك النفر فتدمعُ عيناه، وتسيلُ دموعُه الحارة على لحيتِه الشريفة، ولكن يتبسم لأن الله جل جلاله قال له
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
* ويعودُ عليه الصلاةُ والسلام فيرسلُ قادتَه إلى مؤتةَ في أرض الأردنَ ليقاتلواُ الروم، فيقتلُ الثلاثةُ القوادُ في ساعةٍ واحدة، زيدُ أبنُ حارثة، وجعفرُ الطيار أبين عمه، وعبدُ الله أبن رواحه، ويراهم وينظرُ إليهم من مسافةِ مئاتِ الأميال، ويرى أسرتَهم من ذهب تدخلُ الجنةَ، فيتبسمَ وهو يبكي لأن اللهَ جل جلاله قال له: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
* يتجمعُ عليه المنافقونَ، والكفارَ، والمشركون، واليهودَ، والنصارى، وإسرائيل ومن وراءَ إسرائيلَ فيحيطون بالمدينة، فيحفرُ صلى الله عليه وسلم الخندق، ينزلُ على الخندقِ ويرفعُ الثوب، وعلى بطنِه حجرانِ من الجوع، فيضربُ الصخرةَ بالمعولِ فيبرقُ شذا النارِ في الهواء فيقولُ:
( هذه كنوزُ كسرى وقيصر، واللهِ لقد رأيتُ قصورَهما، وإن اللهَ سوف يفتحُها علي ).
- فيضحكُ المنافقونَ ويقولون: ما يجدُ أحدُنا حفنةً من التمر، ويبشرُنا بقصور كسرى وقيصر.
- فيتبسم لأن اللهَ جل جلاله يقولُ له: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
* وبعد خمسٍ وعشرين سنةً تذهبُ جيوشُه وكتائبُه من المدينةِ فتفتح أرض كسرى وقيصر، وما وراء نهر سيحونَ وجيحون، وطاشكند وكابل وسمرقن والسند والهند وأسبانيا، ويقفُ جيشُه على نهر اللوار في شمالِ فرنسا.
- لماذا لأن اللهَ جل جلاله يقولُ له: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
فظلمُ ذوي القربى أشدُ iiمضمضةً على النفسِ من وقعِ الحسامِ المهندِ
* يأتيه أبنُ العمَ، فيتفل على الرسولِ عليه الصلاةُ والسلام، يتفل على الرسول، على معلمِ الخير، على هادي البشريةَ، فيتبسم عليه الصلاةُ والسلام ولا يقولُ كلمة، ولا يغضب، ولا يتغيرُ وجهَهُ لأن اللهَ يقولُ له: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً.
- يأتي أبو جهلٍ فيأخذَ ابنةَ المصطفى، طفلةُ وادعةُ أزكى من حمام الحرم، وأطهر من ماء الغمام فيضربُها على وجهِها ضربَه الله، فيتبسم عليه الصلاةُ والسلام ولا يقولُ كلمةً واحدة: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
- يأتي الأعرابيُ من الصحراء فيجرجرُه ببردتِه، ويسحبَه أمامَ الناس، وهو يتبسمُ صلى اللهُ عليه وسلم: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
* أي صبرٍ هذا!
* إنها واللهِ دروسُ لو وعتَها الأمم لكانت شعوبا من الخيرِ والعدلِ والسلام، لكن أين من يقرأُ سيرتَه، أين من يتعلم معاليه.
* يمرُ عليه في بيتِه ثلاثةُ أيامٍ وأربعة فلا يجدُ ما يُشبعُ بطنَه، لا يجدُ التمرَ، لا يحدُ اللبن، لا يجد خبزَ الشعير، وهو راضٍ برزقِ اللهِ وبنعيم الله: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
- ينامُ على الحصيرِ، ويؤثرُ الحصيرُ في جنبِه، وينامُ على الترابِ في شدةِ البرد، ولا يجدُ غطاءً: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
- بيتَه من طين، إذا مدَ يدَه بلغتِ السقف، وإذا اضطجعَ فرأسُه في جدارٍ وقدميه في جدار لأنَها دنيا حقيرة: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
* فرعونُ على منبرِ الذهب، وفي إيوانِ الفضة، ويلبسُ الحرير. وكسرى في عمالةِ الديباج، وفي متاعِ الدررِ والجواهرِ، ومحمدُ صلى اللهُ عليه وسلم على التراب: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ).
* أتى جبريلُ بمفاتيحِ خزائنِ الدنيا وسلمها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال له:
-أتريدُ أن يحولَ اللهُ لك جبالَ الدنيا ذهبا وفضة؟
- فقال لا، بل أشبعُ يوما وأجوعُ يوما حتى ألقى الله.
* حضرتَه الوفاة، فقالوا له: أتريدُ الحياة، أتريدُ أن تبقى ونعطيكَ ملكا يقاربُ ملك سليمان عليه السلام؟
- قال لا بل الرفيقِ الأعلى، بل الرفيقِ الأعلى.
* أي عظمةٍ هذه العظمةُ، أي إشراقٍ هذا الإشراق، أي إبداعٍ هذا الإبداع، أي روعةٍ هذه الروعة.
بشرى لنا معشرُ الإسلامِ إن لنا من العنايةِ ركنا غير iiمنهدمِ
لما دعا اللهُ داعينا iiلطاعتِه بأكرمِ الرسلِ كنا أكرم iiالأممِ
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك وحبيبك محمد ابن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين
الشيخ الدكتور/ عائض بن عبد الله القرني